.

.

جديد

الخميس، 1 يوليو 2010

زينب بنت الأجاويد - الحلقة 2

(( المرأة في الغرب ))




أخذني المصعد إلى الطابق الأرضي من الفندق مدفوعة بشغف نحو عالم نسوة من نوع خاص ودعوة لميس المفعمة غذت فضولي، كانت المائدة عامرة بوجوه جديدة والنادل لا ينفك عن ضيافتهن بخضوع من يتوسم أنهن لمعة نسوة متميزات، استدعتني لميس بعينيها المنفعلتين ومن قبل حفاوة الكلمات، فحرارة الحوار الذي أثارته سيدة أجنبية جذبني إلى المتابعة. رددت بحماس: ليتني كنت مكانها.


تشهق منى عبد الناصر في غرابة: تتمنين مكانها بينما العمل يمنحك كينونة خاصة وشخصية مستقلة. السيدة الأجنبية واسمها "صوفي" : "لأني سئمت العذاب اليومي والاستهلاك المرهق لأعصابي، أحلم أن أملك داري ورجلاً يغنجني ويرعاني وينفق عليّ من ماله الخاص، ما عدت أحتمل أعباء المكتب وتكاليفه وصلافة العملاء وأزمة المواعيد والارتباطات، أريد أن أخرج عن حالتي المتوترة والضغوط النفسية المتفاقمة، فصديقتي "كارولين" صارت نزيلة في مصلحة نفسية رغم أنها ذات عقلية عبقرية!".
اغتاظت د. إنعام خلدون:
معنى هذا نعطل نصف طاقة العالم الاقتصادية.
منى عبد الناصر: إن نجاح تجربتكم الحضارية يعود إلى حرية المرأة ومساواتها بالرجل حتى تبوأت أعلى المناصب وقادت الرجال. هذه مفارقة عجيبة وآراء متناقضة تحتاج إلى وقفة تفكير. عبرت عن دهشتي في مداخلة عارضة.
وأضافت لميس:
هذا أنموذج لبحث نعده في المركز الثقافي عن تجربة المرأة في الغرب.
ثم التفتت إليّ قائلة:
صوفي مديرة مكتب هندسي ومحاضرة في جامعة السربون، التقيناها ضمن نخبة من الناجحات في عالم الغرب لنقطف من هذه التجارب العبر والدروس.
قلت في مداخلتي:
أظن أننا ينبغي أن ندرس النتائج التي انتهت إليها تلك النسوة الناجحات والتي تفضي باعتراف صريح أن المرأة تحتاج إلى قراءة ذاتها المتزنة والتي ضيعتها المطامع.
لميس في حملة اعتراضية:
عندما تجد المرأة شريكاً صالحاً فإن البيت يغويها لتسكنه وبذلك تستعيد توازنها، فالرجل إما قوة جاذبة أو طاردة للمرأة.
إنعام:
المسألة تدور حول تفعيل طاقة المرأة لنهضة المجتمع المعطل، فالرجل بأنانيته ورغبته في استحواذ المرأة قمع إحساسها بأي شيء دونه.
منى:
آه يا لأنانية الرجال ومزاجيتهم، لو أرادت الواحدة منّا أن تحقق ذاتها لجاز لها أن تدفع الأثمان باهظة.
(انتبهت إلى نظرات لميس وهي تغرق في الذهول وصدق حدسي، أنزوينا في جلسة خاصة استجابة لطلبها).
حديث خاص:
عبرت لميس في إعتذار إلى الحاضرات، كانت متحفزة أكثر من النهار.
لميس: أنا مرهقة يا زينب أحشتاجك بشدة، أشعر أن الله قد بعثك لي من جديد.
زينب: شعرت بذلك.
وباندفاعها الذي عهدته في سنين صباها تنهمر كلماتها حارة، منفعلة، حاشدة..
لميس: ماذا أقول يا زينب عن حالتي المضطربة وقد ارتبطت برجل مهم في الدولة بزواج سري، وقد بلغت علاقتنا شفا حفرة، إذ لا يرضخ لمطلبي في إشهار زواجنا وتسويفه غير المبرر يثبت لي أني لست سوى خليلة شرعية.
ما عذره؟ (سألتها غاضبة).
لميس: مركزه الاجتماعي وسمعته فأنا مذيعة مشهورة ومطلقة، ويعتقد أنها أسباب وجيهة لكتمان زواجنا.
قلت لها قاطعة:
- هذا لأنه لا يحبك.
انحنت كالزهرة الذابلة وأطلقت حرقتها من قلب مكدود.
- تعبت من الرجال ومن مواقفهم المتخاذلة، لقد أعطيتهم كل شيء، كل ما أملك، حياتي وشبابي ولم أحصد إلا العذاب والحرمان.
أشفقت عليها:
زينب: وهذا هو الخطأ يا عزيزتي فأنتِ قدمتِ نفسك الممزقة على طبق من ذهب فكان زوجك هذا متمكناً من إبقائك متلاشية، ضعيفة تحت هيمنته، وظننتِ أنه قوة تدعمك وتلملم شتاتك وحدث العكس وهذا يتنافى مع الحب السامي القائم على الأخذ والعطاء.
لميس: أنا مترددة، تارة أفكر في الطلاق منه وتارة أخرى أتراجع، إذ أخشى الوحدة والعودة إلى سيطرة أخي وجبروته.
زينب: مسكينة أنتِ يا لميس بدأت أقلق عليكِ أكثر من أي وقت مضى ويدهشني وجودك في هذا العالم الاقتحامي المتنمر والذي يناقض طبعك المرهف.
غامت في حزن عميق ثم عبرت في حيرة:
لميس: لا أدري ربما واجهة جميلة لمنتديات ومحافل ثقافية تستدرج الجماهير عبر رموز شهيرة، انتميت إلى هذه الجمعية لأنها تدعمني وتشعرني بأني مسنودة.
زينب: يعني ردود أفعال ليس إلا فقد فقدتِ البوصلة التي توجهك نحو المسار الصحيح.
وبررت كمن تنفي عنها الحرج:
لميس: ربما، لم تعلمي ما فعل بي زوجي السابق، فقد هجم عليّ في الأستوديو وأشبعني ضرباً أمام الناس.
زينب: ربّاه ما أصعب الموقف.
لميس: دائماً أشعر بحاجة إلى الأمان، أريد أن أحمي نفسي من أخي الظالم ولهذا بقيت أبحث عن رجل قوي يدعمني ويحميني وقد مررت بتجارب كثيرة انتهت جميعها بالفشل، وآخرهم كان عبد الرحيم مرزوق.
زينب: عضو البرلمان الشهير؟!
لميس: أرجوكِ احتفظي بسري لئلا..
زينب: تعرفيني جيداً.
لميس: بالتأكيد فلطالما كنتِ لأسراري مستودعاً.
أطرقت في حرج ثم تابعت:
زينب: لكن أتدرين أن له زوجة متوحشة.
لميس: أعرفها وأظنها الرعب بعينه!.
زينب: ربما لأنها ابنة رجل الأعمال (إبراهيم المعتمد). تنهدت
لميس: حياصة مرتبكة يا زينب حتى أني أعالج عند طبيب نفسي لفرط ما عانيت من اضطرابات وقلق، والعلاج ليس سوى أقراص مهدئة أتناولها كل ليلة لأنام.
زينب: ألم ترزقي بطفل؟
أخذت نفساً عميقاً:
لميس: أبداً، فقد أجهضت مرتين.
ثم سألتني:
- وأنتِ؟
زينب: أنا لي بنت وولد، ابنتي الكبرى في الجامعة وولدي في الثانوية العامة.
لميس: وكيف هي حياتك؟
زينب: الحمد لله على كل حال، فحياتي مستقرة نوعاً ما وزوجي رجل طيب وهو طبيب مكافح. لميس: هل تحبينه؟
زينب: إن من تعرف (عليّ) لابد أن تحبه.
لميس: لأنه رجل طيب.
زينب: ولأني أعرف كيف أعامله وأحترمه.
واستغرقتها نوبة شرود:
لميس: والله زمان يا زينب يسعدني أن نستأنف علاقتنا من جديد، ومتى ستعودين إلى الكويت؟
زينب: غداً بإذن الله..
وسألتها عن عودتهن، فقالت: خلال أسبوع، توقعي اتصالي.
عدت إلى المائدة العامرة بباقة متألقة من النساء لأودعهن فأنا سأغادر جنيف فجراً.
جهزت حقائب السفر بينما (علي) منهمكاً في قراءة بعض التقارير، التصقت به متوددة فقد تفق إحساسي بشكل غير منطقي، التفت إلى حاولت استنطاق مشاعره الداخلية لكنه بتر الوصل فخيب رجائي قائلاً:
الحمد لله فقد انتهينا إلى توصيات مهمة.
- ألا نتعشى يا عليّ؟
- أكلت بعض الساندوتش مع الأعضاء..
انقبض قلبي لأنها مرات مريرة ينهشني الإحساس بالوحدة..
- لم نأكل معاً إلا مرتين في هذه الرحلة؟
- سأعوضك عزيزتي.. وتأكدي أن صبرك هو سبب نجاحي، أحمد الله أن وهبني امرأة مثلك.
تراجع غضبي وتذكرت مشهداً في طفولتي وأنا أقف خلف الباب الموارب عندما عنف أبي والدتي وقت أن ألحت عليه في تناول العشاء.. كان صوته هادراً بالغضب ياكابد هماً يحمله إلى البيت.. صرخة جارحة هزت أرجاء البيت:
كم أنتِ لجوجة قلت لكِ لا شهية لي.
تحمر وجهها في اضطراب وتلعثم لسانها قائلة له:
لكنك خرجت منذ الصباح ولم..
لكنه خرج وصفق الباب وراءه..
لقد بكيتُ وقتها انكسارها الحزين حتى غفوت، لكني صحوت صباحاً على وجهها المتألق نضارة وأبي المتهالك في استرضائها يصب لها الشاي المعطر بأريج حبه ورطب لسانه، ثم قبلها وخرج إلى عمله.
اقتربت منها أتساءل:
من يراكِ ليلة أمس يظن أن جرحك لن يبرأ أبداً.
ابتسمت في نشوة وهي تحمل الأطباق إلى المطبخ:
أبوكِ يحبني يا زينب وإذا لم أتصبر عليه فإلى من يذهب بهمه، فهو لا يترك أثراً للجرح في قلبي، سرعان ما يطيبه برضا وحنان.
أفقت من شرودي على كلمات (علي) وهو يقدم لي حزمة أوراق:
اقرئي هذه التوصيات يا زينب، أحب أن أسمع رأيك.
تنهدت أحدث نفسي:
الحب يأخذ لوناً آخر في التعبير!
أكدت لنفسي أني في ذات السياق:
أمرك عزيزي.



ليست هناك تعليقات: