.

.

جديد

الخميس، 1 يوليو 2010

رواية (( زينب بنت الأجاويد ))

(( مؤتمر في جنيف ))


(زينب عبد الوهاب) أستاذة جامعية وناشطة.
(علي عبد الغفور) زوج زينب.
(لميس) مذيعة في الإذاعة والتليفزيون.
(منى عبد الناصر) باحثة في شؤون المرأة.
(الدكتورة إنعام خلدون) رئيسة جمعية المرأة الشرقية.
(عفاف) ابنة زينب عبد الوهاب.
(عمار) ابن زينب عبد الوهاب.
(سلوى حميد) ممثلة وزوجة المخرج منيف شادي.
(محمود فهيم) أديب مشهور.




عزيزتي (س):
الفتاة التي استوقفتني حينما كنت خارجة من قاعة المحاضرة والتي استقرأت في عينيها حيرة جيل بكامله قد ضللته التيارات الفكرية المتصارعة، فأخذت تميل به في كل اتجاه، سألتني هل تؤيدين حق المرأة السياسي؟!
لم أكن عاجزة عن الرد في بضع كلمات قصار، وإنما صقلت لها تجربة حقيقية من أرض الواقع لتفهم أن هناك فرقا شاسعا بين التنظير والتطبيق والمعتقدات والسلوك وستؤمن بالحقيقة في منأى عن كل تأثير ومعزل عن كل إيحاء.
عزيزتي (س):
الإجابة الفعلية تكمن في قناعاتنا الفكرية بمبدأ ما أو معتقد معين والذي نستوعيه في مشاعرنا كأمر حتمي مفعم بالحماس والفاعلية فنعززه من خلال مواقفنا الداعمة للمرأة، أحيانا ننادي بشعارات تفتقد إلى الاعتقاد الراسخ ونظن أننا نخدم المرأة، وفي الحقيقة أننا نعرقل تطورها الفكري ونعيق نموها الذاتي دون وعي، ومرات أخرى نؤمن بموقع المرأة المهم في الحياة وموقفها الإنساني الذي يشاطر الرجل في التكاليف والمسؤوليات الشاملة لكل مجالات الحياة، لكننا نهزم أمام التقاليد الموروثة التي تشكل قوة نفسية مغروسة في اللا وعي، فنقع في تناقض بين قرار الوعي وقناعتنا في اللا وعي.
إننا نفتقد حالة الاتزان في تشخيص حق المرأة السياسي وهل هو جزء مبتور ومستقل عن منظومتها الحقوقية الشاملة أم هو حق مشرع ومقرر من قبل الله عز وجل لكنه غير مفعل.
عزيزتي (س):
اقرئي أحداث هذه الرواية وتجربة نسوة خضن غمار الحياة بكل صنوفها وقيمي بذاتك مواقفهن لتحددي رؤيتك بعد أن تكتشفي تماما، ما معنى الحق وهل هو ملكية مغتصبة تنتزع من أصحاب القرار أم شعور ذاتي يعتمل داخلنا وكأنه جزء من نسيج شخصيتنا، لا أرغب في تلقينك إجابة تقليدية بل أفسح لعقلك طريقاً للنقد والتحليل حتى تصلي بنفسك إلى حالة الانسجام بين ما تعتقدين وما تعملين..
جنيف / سويسرا / فندق برزدنت
ثرثرة نسوية عابرة جمعتني بثلاث نساء في مقهى فندق "برزدنت" المطل على بحيرة جنيف، بينما كنت أرافق زوجي في أحد مؤتمراته الطبية، لم أكن أقص التطفل وقد كن منهمكات في حوار متناغم شف عن انسجام فكري شديد، لكن الشقراء منهن اجتذبتني لأني أعرفها منذ زمن بعيد حينما كنا على مقاعد الدراسة في المرحلة الثانوية، اقتربت في إبطاء مهذب وقصدتها، صحت بغتة:
- "لميس"؟!
انفرجت شفتيها عن بسمة وضاءة واحتضنتني ملء ذراعيها.
- "زينب"؟!
- يا الله كم هي الدنيا صغيرة.. تفضلي تفضلي.
تأملت وجهها مليا والذكريات البعيدة ترسو على رصيف الذاكرة.
- لم تتغيري، ما زلت ناعمة ورشيقة.
- شكراً زينب على هذا الإطراء، فأنا بالمثل أراك يافعة، جميلة.
"وغمزت بطرف عينها" لكن مع قليل من الجرامات".
شعرت بالحرج بعض الشيء.
زيادة طبيعية بفعل الحمل والإنجاب.
انقبض قلبها وطافت سحابة حزن على محياها.
أشارت لي أن أجلس ثم عادت لبيعتها بعد ومضة انزعاج عارضة.
- أعرفك بالزميلتين العزيزتين: منى عبد الناصر "باحثة في شؤون المرأة" والدكتورة إنعام خلدون "رئيسة جمعية المرأة الشرقية"..
طبعاً عرفتما أنها صديقتي أيام الدراسة "زينب عبد الوهاب"..
- موظفة؟ "تساءلت الدكتورة إنعام"
أستاذة في كلية العلوم الاجتماعية تخصص "علم نفس".. ألفيت الإجابة متثاقلة وقد استقر أن بعيونهن خبيئتي وما تطوي هذه الرتبة الوظيفية من مهابة وفخامة، فهو اللقب الذي زادني بسطة في العلم.
تبدد وجومهن وانفتحت مغاليق قلوبهن وعرفت بعد انغماري في الحديث معهن أنهن جئن تلبية لدعوة خاصة من زوجة وزير الثقافة السويسري وحضورهن إلى جنيف كان بدافع التعرف على واقع المرأة الاجتماعي والسياسي في أوروبا ونشاطها المتقدم في كل المجالات ومحاولة تخصيب تجربتهن النامية بفكر حضاري متجدد يتناغم والفكر المعاصر. تساءلت في دهشة وأين أنت يا لميس من كل هذا العالم أما زلت تكتبين الشعر؟!
- ضحكت بمرارة ساخرة.. كتبت الشعر حتى جف قلبي فلما جف قلبي هجرت الشعر.
- سمعتك ذات يوم في الإذاعة.
"أجل"..
كانت إجاباتها المقتضبة تبتر فضولي وتقطع على طريق الاستكشاف، فما عهدتها متكتمة بهذا الشكل ولعلي كنت أبحث عن مدخل غير واع فيها يستدرجني إلى حقيقتها الغامضة، والغريب في الأمر أنني لم أجد أي علامة من علامات الأمومة على مظهرها بعد هذه السنوات، فما زالت فارعة نحيفة كما كانت في المدرسة.
رن هاتف منى بينما كنا منهمكات في الحديث.. استأذنتنا للحظات فسألتني الدكتورة إنعام "متى ستعودين إلى الكويت"؟
- بعد يومين.
- كنت أتمنى لو أسمع آراءك في المرأة خصوصاً وأنك أستاذة جامعية لها خبرة ودراية؟
هبت لميس من فورها.
- ستعجبك زينب يا إنعام فهي مناضلة من الطراز الأول.
وأكدت الفكرة، "نعم مناضلة من أجل المرأة".
عادت منى غاضبة وقد ألقت تلفونها على المنضدة بعصبية متأففة..
- هذا الرجل لا يكف عن إزعاجي بشكل مرضي.
- لميس: "فليعينك الله عليه.. أكسري القيد وتحرري منه".
أطلت النظر بلميس مأخوذة بتعابيرها فتجرأت.
"لم تحدثيني يا لميس عن هذا القيد الذي انكسر؟!"
اضطربت وشاب وجهها حمرة "انفعال ألم تعرفي أني قد تزوجت المخرج سالم برغش بيدب أنه قتلني بغيرته وشكوكه المرضية فقد أقبرني كما فعل بي أخي بسام واستعبدني حتى حطم موهبتي الشعرية".
إنعام: "مشكلة الرجل ظنه الخاطيء أن المرأة ما زالت في عهد الحرملك وجواري القصور".
- منى: لقد صنعت زوجي في وقت لم يكن سوى نكرة إذ دفعته ليتعلم ويعمل ويحقق ذاته لكنه الآن يلاحقني ويطاردني تحت ذرائع واهية وأعلم أنه محرج أمام قفزات نجاحي.
قلت في سياق الحديث "علينا إذا تغيير عقلية الرجل، أن ننسف الإرث القديم ونبني بدلاً عنه قاعدة فكرية جديدة حتى ينظر إلينا نظرة أعمق وأشمل.
- إنعام: "لقد كان شرطي في الزواج أن أضع العصمة في يدي حتى يمكنني أداء أعمال الجمعية وإدارة أنشطتها بحرية".
وهل توقعت حضور هذا الرجل؟ "سألتها على سبيل الفضول".
إنعام: للأسف ما زال الرجل يعيش نظرية الصياد والفريسة، فالمرأة القوية تزعزع ثقته بنفسه وتشعره بالنقص الكبير ولهذا اتخذت طريق الحياة الحرة دون قيد أو شرط.
- لميس: أظن قد آن الأوان كي نقلب المعادلة ونحرر المرأة من هذا القيد، لابد أن تنال حقوقها كاملة ولن يتسنى لها ذلك، ما دام الرجال هم أصحاب القرار المتنفذون في الدولة.
- مسني شيء من الضيق وحماوة أنثوية دفعتني أن أهب من مقعدي غاضبة فانسحبت مستأذنة.. "عذراً بعد قليل سيعود زوجي إلى الفندق". وعند باب المصعد ودعتني لميس قائلة: سنجتمع مساء في لوبي الفندق، نتمنى لقاءك مجدداً.
- عدت متصدعة من الداخل، حالة من السلبية عكرت مزاجي، منذ متى لم أخض هذه النوعية من الحوارات الحساسة فلطالما كنت أكتب في قضايا المرأة وأحاول تبديد تلك النظرة القاصرة، فهي ليست دمية للهو والمتعة أو كياناً معطلاً عن بناء الحياة، فأنا منسجمة مع النظرة الفطرية التي تجعلها متكاملة مع الرجل.
- وأول داعية لتحرر المرأة من ضعفها ونوازعها الدنيئة وأنانيتها واستخفافها بإنسانيتها والتسطيح الذهني في دائرة الأنوثة.
استوقفني زوجي بينما أنا مطرقة أفكر.
علي: "بماذا كنت تحدثين نفسك؟"
كنت أمشي وراءك منذ فترة.
.ينب: "حديث شيق جمعني مع بعض الصديقات".
علي: الحمد لله أنك تتسلين في غيابي.
زينب: هل تنزل الآن لتناول الغداء في المطعم؟
علي: أنا متعب جداً ومضطر أن آخذ دوشاً سريعاً وأتناول غداء خفيفاً، ففي المساء هناك حلقة نقاشية مهمة أحتاج فيها إلى تحضير بعض الأفكار.

ليست هناك تعليقات: