.

.

جديد

الثلاثاء، 29 يونيو 2010

نادين غورديمر.. وروايتها (( ضيف شرف ))

من هي نادين غورديمر؟
ولدت نادين غورديمر في عام 1923 قرب مدينة جوهانسبورغ عاصمة جنوب أفريقية لأبوين من البيض المهاجرين من أوروبة. فقد كانت أمها فان مايرز من مواليد انكلترا، فيما كان أبوها ايزيدور غورديمر قد هاجر من ليتوانيا وهو في سن الثالثة عشرة. وكان أبواها من العاملين في مناجم الذهب، فنشأت في جو عائلي مريح وفّر لها قسطاً كبيراً من الحرية والثقافة. فانكبت منذ سن مبكرة على قراءة روائع الأدب العالمي وبالأخص روايات القرن التاسع عشر الفرنسية والروسية المترجمة إلى الانكليزية، بالإضافة إلى أعمال الكتاب الانكليز أمثال فرجينيا وولف وتشارلز ديكنز والأمريكيين أمثال هوثورن وهمنغواي. كما أنها تأثرت كثيراً بقصص كاترين مانسفيلد. لقد كانت جنوب أفريقيا جزءاً من الكومنويلث البريطاني، وهذه الحقيقة جعلت غورديمر تتماهى بالثقافة البريطانية أكثر من الثقافة الأمريكية مع أن المستعمرة التي ولدت فيها كانت تابعة لجمهورية البوير (مستعمرة هولندية).
يبدو انحياز غورديمر هذا جلياً في اقتدائها بمجموعة من الكتاب الليبراليين البريطانيين، وبالأخص جماعة بلومزبيري وإ. م. فورستر في كتابه ((رحلة إلى الهند)). كما تأثرت بأعمال د. هـ. لورنس ودوموباسان وتشيخوف وهمنغواي عندما بدأت بكتابة القصة القصيرة. إلا أن مصدر التأثير الأكبر كان قصص الكاتبة الأميركية يودورا ويلتي.
بدأت غورديمر مع نضوجها الأدبي والفكري تتلمس طريقها الخاص بها في التعبير عما تريد قوله لأنها بدأت تشعر بالانسلاخ عن حياتها الخاصة وعن مجتمعها والتراث الليبرالي الانكليزي. وقد تجلت قطيعتها هذه في اصطفافها إلى جانب السود ومناهضتها للتمييز العنصري فأصبحت من المقربين إلى حزب المؤتمر الأفريقي بزعامة نيلسون مانديلا.
كتبت غورديمر سبع مجموعات قصصية وثمان روايات نذكر منها: عالم الغرباء، ضيف شرف، رفاق ليفينغستون، عناق جندي، قوم جولاي وغيرها. وقد توجت سيرتها الأدبية بحصولها على جائزة نوبل للأداب لعام (1991). وكانت قد حصلت على العديد من الجوائز الأدبية الرفيعة، نذكر منها: جائزة النسر الذهبي (1975) الفرنسية وجائزة CNA الجنوب أفريقية الأدبية (1975)، وجائزة مالابارتي الإيطالية (1985)، وجائزة نيلي ساكس الألمانية (1985) وجائزة بينيت الأمريكية (1968).


· ما هي أحداث رواية (ضيف شرف)؟
تدور رواية (ضيف شرف) حول شخصية جيمس براي الموظف الإداري الاستعماري الانكليزي الذي تم طرده من دولة أفريقية وسطى بسبب اصطفافه إلى جانب زعمائها القوميين السود. بعد عشر سنوات من ذلك يتلقى دعوة للمشاركة في احتفالات عيد استقلال هذا البلد. وحين عصفت الانشقاقات الحزبية والعنف بهذا البلد جرّاء تحريف المثل الثورية، وجد براي نفسه مجبراً مرة أخرى على الاختيار والانحياز إلى أحد أطراف السلطة المتصارعة، الأمر الذي يكلفه حياته.
تبدأ الرواية بقرار الكولونيل جيمس براي أن يترك حياة الاستقرار والرخاء في ويلتشاير بلندن والعودة إلى جولة أفريقية مستقلة حديثاً، وهو الذي تم نفيه من هذا البلد (المتخيّل) قبلئذ بعشر سنوات، بسبب مساندته نمو وصعود حزر استقلال الشعب الذي هو الآن في سدة الحكم. فحين كان براي مسؤولاً كولونيالياً، عمل في الحزب إلى جانب آدامسون مويتا، الرئيس الحالي، وإدوارد شينزا، النقابي. لقد عاد براي إلى البلاد لحضور احتفالات الاستقلال، وقبل منصبه كمستشار تربوي، وهو المنصب الذي يقوده، بشكل أولي، إلى مقاطعة غالا حيث كان قد عاش سابقاً. وتدور حبكة الرواية حول الإيديولوجيتين المتناقضتين لمويتا وشينزا، وانحياز براي إلى الأهداف الثورية لشينزا المنفي، عندما يصبح مدركاً للطبيعة النيو-كولونياليةأو لحكم مويتا، الذي يبدو بمثابة خيانة لمثُل الاستقلال. وتترافق الصحوة السياسية الجديدة لبراي بصحوة جنسية: إن زوجته، أوليفيا، تبقى في ويلتشاير، رغم ترتيبها الأصلي الذي يقضي بأن تلحق به في نهاية المطاف، وتصل إلى أن تمثل بالنسبة له حياة الاستقرار التي خلفها وراءه. إن علاقة براي بريبيكا إدواردز تمثل حيوية فردية توازي الحيوية العامة لنضوجه السياسي المتنامي.
يفشل حزب استقلال الشعب الحاكم – الذي يعمل في توافق مع النقابات – في حكومتهم تضع مصالح المستثمرين الأجانب فوق مصالح شعبها. ويبدأ الجزء الرابع من الرواية بمؤتمر الحزب الذي يتم فيه التعبير بشكل واضح عن الإيديولوجيتين المتنافستين لمويتا وشينزا. إن براي الآن يصطف مع شينزا في عملية تشكيل لوبي لصالحه. ولدى عودته إلى غالا، يشهد براي صدامات عنيفة بين العمال وقوات الحكومة، وفي النهاية يقرر الهرب من البلاد لكي يجمع المال لأجل قضية شينزا.
في الطريق إلى العاصمة، يتعرض لكمين ويُقتل من قبل العمال الذي يظنونه عنصراً مسؤولاً من عناصر فرقة مكافحة الشغب التي يسعون إلى الانتقام من عنفها. وفي نهاية الرواية يكون مويتا قد استعاد النظام بمساعدة عسكرية بريطانية، ويكون شينزا في المنفى.
تستوحي رواية (ضيف شرف) الآراء والأفكار السياسية الواردة فيها من كتاب (المعذبون في الأرض) لفرانز فانون، هذا التحليل الذائع الصيت للصراع ما بعد الاستعماري، والذي نشر لأول مرة في عام 1961.
ثمة إشارة صريحة إلى فانون في مناقشة بين براي وشينزا يقدم فيه شينزا مقتطفاً تبناه براي لاحقاً. إن المقطع المستشهد به يقدم واحدة من عدة أفكار من فانون تنظم توالي القضايا في (ضيف شرف). وفكرة فانون الأساسية هي أن الكفاح ضد الاستعمار يجب ألا يقوم على الاختلاف العرقي – على الرفض البسيط للمستعمر الأبيض – بل على مسائل الاستقلال الاقتصادي، نظراً لأنه صراع طبقي. وهذا ما يشكل طوراً هاماً في تقديم غورديمر للقضايا السياسية. إنها، في هذه المرحلة، تسير على قناعة فانون بأن الوحدة الأفريقية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال حركة الشعب التي يقودها حزب (الشعب)، والتي ستتحدى مصالح البرجوازية. بالنسبة لفانون، إن هذا الوعي الطبقي ضروري لتحدي البرجوازية المحلية التي تمارس تحت الضغط الاقتصادي من المصالح الاستعمارية عدوانيتها الطبقية الجديدة لتتحكم بالسلطة والثروة التي كانت سابقاً بيد الأجانب، وتستولي على البنى الاستغلالية القائمة تحت قناع النزعة القومية الجديدة.
تضع غورديمر أحداث الرواية في إطار تخيلي، في بلد أفريقي غير محدد، وذلك تحت تأثير الأحداث التي جرت في بلدها (جنوب أفريقيا) في أواخر الستينيات التي اتسمت بالقمع والتمييز العنصري. وتقوم فكرة الرواية على مفهوم التناقض المزدوج: الداخلي والخارجي المرتبطين بعلاقة جدلية من التأثير والتأثر. إن الطبيعة المعقدة والمفارقة للفعل الفردي يمكن ردها إلى النظام الاجتماعي الذي ينتج الأفراد، وهذا هو مقياس الواقعية السياسية للرواية. فالسجال السياسي جزء مكمل لبنية الرواية، ويخلق انطباعاً شديداً بوجود علاقة بين العام والخاص. كما يتجلى التناقض في التفاصيل المحلية في نسيج الرواية، بما في ذلك عناصرها الرمزية، وفي معالجة الرواية للجنسانية، التي تعتبر سمة نموذجية لغورديمر، تحمل مؤشراً على النضج السياسي. إذ أن الحيوية الجنسية تسير جنباً إلى جنب مع الحيوية السياسية في الرواية.
تتبع غورديمر التقاليد الغربية في التخييل رغم تشديدها على شخصية براي ومأساته النهائية. كما تطرح العديد من القضايا النسوية كارتباط الذكورة بالسلطة وبالتالي بالسياسة، وبالأخص السياسة الكولونيالية.
إن الصلة بين الشخصي والسياسي تتعزز حتى في مقاطع النقاش النظري، وهذا ما يتحقق أساساً عبر شبكة من التوترات بين شينزا ومويتا وبراي، والتي تقدم إطاراً لدراسة القضية الأساسية للكولونيالية الجديدة. إذ يرى مويتا أن البنية الاقتصادية هي إعاقة مستمرة، وكنتيجة لهذه التركة التي لا يمكن تجاوزها، يعتمد ازدهار البلد على تشجيع الاستثمارات الأجنبية. أما بالنسبة لشينزا، فإن هذا يؤدي إلى صدام مع الاستغلال الأجنبي، كما يشير في خطابه الثاني أمام المؤتمر، وهو نقد فانوني للكولونيالية الجديدة، التي يقوم منطقها على استغلال البشر مرتين: مرة كعمال ومرة كمستهلكين. هكذا فإن الموقفين المتعارضين لمويتا وشينزا يجري تقديمهما لتشكيل اختيار قوي بين الرأسمالية والاشتراكية الأصلية، بين دولة تستغل شعبها، ودولة قائمة على مصالحه، وهو الخيار الذي يجب على براي أن يقوم به، عندما يقرر إلى من سيكون ولاؤه، ويدور الكثير من الرواية حول كيفية وصوله إلى هذا الاختيار السياسي الذي يواجه الأمة عموماً.

ليست هناك تعليقات: