.

.

جديد

الثلاثاء، 29 يونيو 2010

الأديبة الأميركية (( مارغريت ميتشل ))

طرحت ((بيجي مارش)) السؤال التالي على نفسها: ((كيف ابتدأ كل ذلك؟)) كانت طريحة الفراش لمدة 3 سنوات.. ثلاث سنوات بأكلمها.. إنه لزمن طويل جدا وعليها القيام بشيء ما،
كيف حصل هذا الحادث؟ كانت تقطع الطريق مع زوجها.. في إحدى المناطق الراقية بمدينتها ((أتلانتا)).. طريق هادىء.. خصوصاً في هذه الساعة.. الثامنة مساء.. فجأة تأتي سيارة مسرعة.. تتوجه نحوها بالذات وتظل هي جامدة بمكانها. وحبذا لو ظلت واقفة. أخذت تتوجه يمنياً وشمالاً. خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء.. إلى أن وقع الحادث.
وها هي الآن طريحة.. تنتظر العملية الأولى.. والثانية والثالثة.. عمليات لا تنتهي.
وتتحول ((بيجي)) الشابة الحيوية إلى امرأة لا تملك ذرة من الشباب مع أنها لا تشكو.. لكن وجهها الشفاف يفصح عن كلا آلامها.
الأسابيع تمضي، الشهور تمضي.. ثلاث سنوات تمضي. فترة طويلة لإنسان اعتاد الحركة والحيوية. معظم وقتها تقضيه في القراءة.. تقرأ دونما تخطيط كل شيء يجلبه زوجها لها. تلتهم الكتب العلمية، فجوعها للقراءة لا يعوض.
في إحدى الليالي يعود زوجها محملاً بالكتب ويقول: ((هذه آخر دفعة.. لم يعد في المكتبة ما تقرأينه))، ويضيف مازحاً: ((لماذا لا تؤلفين أنت بنفسك كتاباً.. خذي، هذه هي الأوراق وها هو القلم)).
السيد ((جون ر. مارش )) من كنتاكي.. يعمل كمدير لمعمل توليد الكهرباء في أتلاتنا.. وكان في السابق صحفياً. أي أنه ليس بعيداً عن التأليف والكتابة. أما زوجته فكانت تعمل لمدة ست سنوات في صحيفة أتلاتنا كمراسلة. فلماذا إذاً لا تقضي بعضاً من وقتها في الكتابة؟
((بيجي)) المرأة الصغيرة ذات الشعر الكستنائي والعينين الزرقاوين والوجه الشاحب. عندما يراها المرء يعتقد أنها لا تعرف العد حتى الثلاثة.. لكنها بالعكس، امرأة ناضجة، وناضجة جداً..
أخذت تفكر بكلمات زوجها. ولكن ماذا عساها أن تكتب؟ وحول أي موضوع؟ في الواقع، هناك موضوع واحد يثير اهتمامها. تاريخ بلادها. ومرحلة معينة بهذا التاريخ.. الحرب الأهلية.
((بيجي)) أو ((مارغريت)) المولودة عام 1900 لم تغادر موطنها ((جورجيا)) إلا عند ذهابها إلى أتلانتا. أجدادها كما تذكر عاشوا بـ ((جورجيا)) في الجنوب. كانوا مزارعين ومحامين وضباطاً وكهنة.
الأب ((يوجين ميتشل)) كان محامياً معروفاً.. مختصاً بتاريخ الولايات الجنوبية. ولسعة معرفته انتخب كرئيس لـ ((الجمعية التاريخية في أتلانتا)). كذلك الأم ((مايبل ستيفنز)) كانت تملك معرفة واسعة بالتاريخ، وبالأخص تاريخ الولايات الجنوبية الذي كان يعتبر الغذاء اليومي للعائلة كلها. أيام السبت والأحد.. تفتح النقاشات حول سقوط الولايات من الاتحاد، والأسباب الرئيسية التي أدت للحرب الأهلية، والتناقض الاقتصادي بين الولايات الشمالية والجنوبية، والتجارة الحرة والحدود، وقضية العبيد، وانتخاب ((لينكولن)) كرئيس للاتحاد عام 1860، والارتباط الكونفدرالي للولايات الجنوبية، وإعلان الحرب في 14-4-1861، والخسائر الكبيرة ما بعد الحرب، ومرحلة البناء. جميع هذه القضايا قد نوقشت ووضحت مئات المرات.
والمهم الآن.. هو اتخاذ القرار بتأليف الرواية، التي ستدور حوادثها في تلك البلاد وذلك الزمن.. وشخوصها سيطرحون مشاكل ذلك العصر.
إنها تعرف، الانفجار الاقتصادي والنظام الاجتماعي والمرحلة الجديدة المضطربة التي أدت إلى المعاناة والبؤس والفساد.
ستدور الأحداث في مدينة أتلانتا التي تعرفها جيداً. ولكن أهناك موضوع محدد؟ هناك شيء من هذا القبيل، لا تعرف إن كان يستحق أن تدعوه ((موضوعاَ)).
حتى أنها أخفت ذلك عن زوجها، وقررت البدء بالكتابة. أقلام الرصاص متوفرة ودفاتر مدرسية تعثر عليها في مكان ما. ولكن، من أين ستبدأ؟ تصاب فجأة بالخيبة لاتخاذها هذا القرار. كيف؟؟ وهي ((بيجي)) الصغيرة المراسلة في صحيفة أتلاتنا. قمة نتاجاتها كانت لا تتعدى المقابلة الوحيدة التي قامت بها مع الممثل ((رودولف فالنتينو)). والآن، تقوم بتأليف رواية.. ربما تتعدى المائة صفحة!! يا للغطرسة! أيام طوال وهي تنظر إلى دفترها وبفمها القلم، لا تجرؤ على كتابة أول جملة. الجملة الأولى.. الفصل الأول.. إنه أشبه بالقفز في ماء متجمد. لا يعرف المرء كيف الخروج منه ثانية.
لا، إنها لا تجرؤ على ذلك. الأفضل أن تبدأ ن وسط الرواية. على الأقل أمام نفسها. وكأنها قد قفزت فعلاً في الماء المتجمد. وهكذا تبدأ مارغريت من النهاية، وبالجمل التي ستكون نهاية الكتاب. كانت مقتنعة تماماً بأن كتابها لن يرى النور أبداً. ولن تكتب فصوله الأولى.. ولا تعتبره سوى تجربة.. لقضاء وقت لا غير.
فتصبح أكثر جرأة وثقة بقلمها. وتبعد الخوف عنها وتبدأ تخط بقوة. الجمل تكتسب موضوعاً والشخصيات تتبلور. وتنتهي من الفصل الأخير. وتبدأ بالفصل الذي قبله. وهكذا إلى أن تصل إلى البداية. إنها لرواية حقيقية.
وها هي قصة ((مارغريت ميتشل)) التي تنسخها على ورق من مختلف الأحجام والألوان. وبأقلام الرصاص والحبر سواء.. إلى أن تتكون لديها نصوص غريبة الشكل، تنمو وتتكدس يوماً بعد يوم.
((جرالد أوهارا)) اللاجيء الايرلندي الذي دخل الولايات المتحدة عام 1848، حط في مدينة ((جيورجيا)) وابتاع له مزرعة أسماها ((تارا))، كان سعيداً بزواجه، ولديه ثلاث بنات. إحداهن كانت تدعى ((سكارليت)) شعرها أحمر وعيناها خضروان وذات طبع جاد.. منذ صغرها وهي تتحلى بصفة العناد. وفي سن الخامسة عشرة بدأت تدير رؤوس الرجال. إنها ((الملكة الصغيرة)) في البلد. كانت دائماً وراء فسخ الخطوبات التي تحظى بها رفيقاتها. وفي السادة عشرة تغدو امرأة ناضجة ولطيفة المعشر، وتعرف الحب بكل آلامه.
إنه ((اشلي ويلكس)) الذي أحبته. إنسان عاطفي وحالم. نموذج غريب بالنسبة لرجال عصره. لكنه يولي اهتمامه لصديقة ((سكارليت)) ميلاني، ذات الجمال الناضج. تقرر سكارليت كسيب أشلي بأي ثمن. وفي إحدى الحفلات تدع كل ألغامها تتفجر.. أشلي يعترف لها بحبه لميلاني. سكارليت لا تصدقه، ويعتريها الغضب مما اكتشفته. حصل كل ذلك أمام ((ريت بوتلر)) الرجل الوسيم الذي تعشقه جميع الفتيات، ويدعونه معشوق المزرعة بأسرها. إنه يتحلى بذكاء حاد ولديه خبرة كبيرة في إدارة المسائل التجارية. ببصقه على الحياة يأخذ مركز الصدارة. سكارليت تعجبه.. ويعترف لها بذلك.
أشلي يتزوج من ميلاني.. وسكارليت تفقد أعصابها لأنها ما استطاعت الوقوف حيال ذلك. وتقرر الزواج من أول إنسان يأتي طالباً يدها. ويكون شقيق اشيلي الذي ستعيش معه في أتلانتا. وسترى أشلي كل يوم.
وتندلع الحرب الأهلية.. أشلي وشقيقه يشاركان في الحرب.. ويستشهد زوج سكارليت، الذي كان على علم بأنه سيصبح أباً. ويعود أشلي في أجازة ويطلب من سكارليت الاعتناء بميلاني.
وبعد انقضاء فترة من الزمن تلتقي سكارليت بـ ((ريت بوتلر)) الذي انجرف لفترة في منزلق الحرق وعاد منه يملك ثروة لا بأس بها. وعادة يحصل ((ريت)) على كل ما يبتغيه. وتقترب الحرب أكثر فأكثر. ميلاني تنجب طفلها الأول. وسكارليت مازالت تعتقد أن أشلي لم يتزوج من ميلاني إلا لمجرد الضغوط العائلية. وهو مايزال يحبها. وما أمامها الآن، إلا ميلاني التي أنجبت طفلاً لأشلي. وعليها هي الاعتناء بالأم والطفل معاً.
ويقترب العدو من أبواب تايلانتان يقصف ويحرق. سكارليت تفكر بالهرب مع ميلاني وابنتيهما، فتنادى على بوتلر وتطلب منه المساعدة.
يتم الهرب بعربة نقل. كان هروباً فوق المنحدرات والأنقاض والبيوت المحترقة وتنجح عملية الهرب. ((ريت بوتلر)) يتخلى عن عناده.. وعن قناعته بأن هذه الحرب لا فائدة منها وأن الجنوبيون سيخسرونها، ويتخذ قرار بالدفاع عن الجنوب المهزوم. إنه إنسان غريب الأطوار ومليء بالتناقض ويضع قوانينه بنفسه.
وأخيراً، تكمل سكارليت رحلتها وبعد مغامرات عدة.. تصل إلى موطنها ((تارا)) معتقدة بأنها ستجد أهلها وبيتها الذي ترعرعت فيه. لكنها لم تجد سوى نصف بيت محروق، رماده يتطاير، الخدم السود قد فروا والأم توفيت والأب أصيب باختلال في عقله بعدما رأى بأم عينيه انهيار عالمه الوحيد.
ويهجم الجوع.. سكارليت تتضور جوعاً، وبيديها العاريتين تقوم بنبش الأرض لتستخرج منها البطاطا، معاهدة نفسها.. على أن لا تجوع ثانية.
السيد ((جون ر. مارش)) كان يستعلم بين الفترة والأخرى تليفونياَ عن زوجته ويسألها: ((ماذا حل بروايتك؟)).
((يا جون، إنها ليست رواية.. لم أكتبها إلا لقضاء الوقت!))
جون كان مقتنعاً، بأن زوجته ليست في الحالة التي تؤهلها لتأليف رواية. لذا يرفض التدخل، ولا يطالب زوجته بقراءة فصولها أمامه. وحتى لو أراد ذلك، فهو لا يستطيع قراءة النصوص بنفسه، لأن الخط رديء جداً، وعينا ليستا بحالة جيدة.
أما مارغريت، فكانت تتنهد باستمرار. فتأليف الرواية أصعب وأشق مما كانت تتصور. إنها تعرف كل ما يدور في روايتها: الزمن، المحيط، الوضع الاجتماعي.
لكنها تكشف أن هناك أشياء كثيرة لم تعرفها قط.
حينما كانت مراسلة، كان لديها شعور كبير بالمسؤولية إزاء ما تكتبه. وما تحتاجه الآن، هو سبعة شهور للتصفح بالكتب التاريخية ومراسلة أكبر الجامعات المختصة، للحصول على الأرقام الصحيحة.
ويقوم زوجها بمساعدتها حانقاً ((ليتني ما اقترحت عليكِ ذلك الاقتراح)) ويسألها: ((ماذا سيكون اسم الرواية؟)). ((ذهب مع الريح)) تجيبه مارغريت إنه عنوان قصيدة للشاعر ((أرنست دوسونز)).
ذهب مع الريح.. العنوان وحده يشير إلى أن مارغريت لا علاقة لها بتلك المرأة الصغيرة ((بيجي)). أحرزت تقدماً ملحوظاً، أكثر من أهلها وأجدادها. إن ما حدث قبل سبعين عاماً لا وجود له اليوم، كما هو الحال بالنسبة لكافة الجنوبيين. ((الأمس)) لقد ذهب بالفعل. كما تذبل أوراق الشجر وتذهب مع الريح. لقد كسبت شوطاً، لكنها مازالت تؤمن بأنها لا تستطيع أن تصبح روائية في يوم من الأيام: ((أنا أنتج بشكل بطيء.. هذا لا يسمى تأليفاً)). في هذه الأثناء تتحسن صحتها وتقوم بنفسها بالأعمال المنزلية وتخرج مع زوجها للنزهة أو للسينما. والنصوص المهملة خلف منضدتها تنمو يوماً بعد يوم رغماً عنها.
((أعرف شيئاً واحداً)) تقول مارغريت في أحد الأيام لزوجها ((إذا انتهيت من كتابة هذه الرواية.. فلن أعيد الكرة ثانية إطلاقاً)).
((كما تشائين)) يجيبها ((جون))، وهذا أنسب بالنسبة إليه. إنه لم يفعل شيئاً غير أنه اقترح اقتراحاً.. وذلك لقضاء وقت فراغها.
الآن.. وقد تحسنت صحتها، فلا داعي لشيء من هذا القبيل. ولكن الرواية تظل أقوى منها ومنه. إنها لا تعرف ما الذي يجذبها دائماً إلى طاولة الكتابة.
ربما كانت بطلة قصتها ((سكارليت أوهارا)) التي تنوي إنهاء قصتها.. ربما.. إذن، تعود سكارليت إلى موطنها فتجد البيت مهدماً والأم متوفية والأب قد فقد عقله فترغم أخوتها وتزعم ميلاني على مساعدتها.. وترتب كافة الأمور بحيث يستطيعون السكن وملء بطونهم.. ملء بطونهم فقط..
ويعود اشلي من الحرب. وفي لمح البصر تغدو سكارليت سعيدة. لمحة بصر واحدة فقط. لأنه عاد إلى الآخرين.. وليس إليها.
وتتدهور أحوال سكارليت المادية.. فتحتاج للنقود لإدارة المزرعة ولدفع الضرائب. فتعتزم الذهاب إلى المدينة للقاء ((بوتلر)).. المسجون حالياً. سكارليت كانت بوضع يسمح لها حتى بيع نفسها، فتقوم بتمثيل دور غرامي. بوتلر لا يأبه لها.. إنه يعلم أنها تعاني الفقر وبحاجة ماسة للنقود.. وأنها لم تأت إليه بالذات بل من أجل نقوده. ويصارحها بذلك.
وتصاب بيأس ما عرفت له مثيلاً في السابق، وتتزوج من رجل آخر.. يملك ثروة لا بأس بها، تكفي لدفع الضرائب وتدبير أمور المزرعة.
وتصبح تاجرة كبيرة.. تاجرة مندفعة، لا تتردد إزاء أي شيء يتعلق بجمع المال. وتقوم بتوسيع مزرعتها، وتبتاع طاحونة وتستخدم اشلي. لا يعيبها أن تستخدم حتى المساجين عندها. فكلما كانت الأيدي العاملة رخيصة ازدادت ثروتها. وكاد ذلك يقودها للخراب.
ففي إحدى المرات.. ركبت عربتها وضد إرادة زوجها. فهاجمها لصان على الطريق، تخلصت منهما بالكاد، بعد عناء طويل. كل رجال الجنوب يعرفون ما يحصل بعد حادث كهذا.
ودون علم سكارليت، يلتقي ((أشلي وبوتلر)) بزوجها ويتفقون على القيام بمناورة ليلية. زوج سكارليت يقع في وسط الطريق.. ويصاب بجرح عميق.
ويقول ((ريت بوتلر)) إن سكارليت أخطر من أن تظل طليقة. إنه لا ينسج الخيالات بخصوص حبه لها. إنه يحبها فعلاً ويود الزواج منها. كي يضع حداً لتصرفاتها الحمقاء.
وبطريقة مفاجئة تقبل سكارليت بعرض الزواج. مع أنها لا تحب ((ريت)) إلا أنه يدهشها أو بالأحرى النجاح الذي يحرزه ((ريت)) باستمرار هو الذي يدهشها. تود اكتشاف سر النجاح هذا.
الطفلة التي ولدتها منه سكارليت.. يريدها أن تنمو وسط حياة شريفة.
زواجهم غير سعيد.. سكارليت لا تحب زوجها ولا تجهد نفسها بإخفاء هذا الشعور. فتهم بطرد ريت من غرفة النوم التي يتقاسمانها.
حنقه على عدم جدوى هذا الزواج، وعلى زوجته التي ما زالت تحب أشلي ينمو يوماً بعد يوم. لكن في إحدى الليالي يحدث بينهما موقف يقلب مشاعرها..
الآن بدأت تحب زوجها. لكنه يقرر هجرانها بعد أخذ طفلته معه.. إلى لندن.
سكارليت تنتظر عودة زوجها بفارغ الصبر، إنها تريد الآن أن تكون زوجة نافعة ومخلصة. إنها تحبه لكنها لا تعلم بذلك.
ويعود زوجها.. وينشب سوء تفاهم بينهما.. فيفقد ريت أعصابه ويدفع بسكارليت من على السلالم. النتيجة كانت الإجهاض.
ريت يدرك ذلك متأخراً.. ويندم لما فعله.
فأصبحا يعيشان كغريبين..
وتحدث تراجيديا جديدة.. ابنتهما تفارق الحياة بعد وقوعها من على ظهر الجواد الذي كانت تمطيه. سكارليت تضع اللوم على زوجها وبدون مبرر تحمله مسؤولية موت ابنتها.
ويلي ذلك موت ((ميلاني))، التي حاولت دوماً أن تكون صديقة لسكارليت.
ما أرادت يوماً أن تصدق الأقاويل التي تحكي عن أشلي وسكارليت. كانت تؤمن بزوجها. ريت، المغامر، يعرف أفضل من أي إنسان آخر قيمة ميلاني، وحزنه كان حقيقياً.
أصبح الطريق بالنسبة لسكاريت ممهداً. هل سيرضى أشلي الزواج منها، فيما لو تركت زوجها؟ بعد مرور عشر سنوات، ومازالت تحمل له الحب، فلابد أن تجد لديه قسطاً بسيطاً منه.
لكنه ما أحب يوماً امرأة غير ميلاني.. وبعد موتها لا يفكر بامرأة سواها. فجأة تكشف سكارليت بأن هذا الحب ما كان حباً بمعناه الحقيقي وإنما حب الانتقام لكبريائها الجريح.
فمن هو الإنسان الذي تحبه؟ أنه ريت.. زوجها، الذي قرر الرحيل نهائياً.. وتحاول سكارليت إبقاءه، وتعده بأنها قد تغيرت، فلا يصدقها.. وحتى لو أراد ذلك.. فالأوان قد فات.
سكارليت، المرأة الجميلة والغنية.. تهجر من قبل زوجها. وتتصرف سكارليت كما تتصرف دائماً إذا أصابتها محنة ما.. غداً، ستسيطر ثانية على ((ريت بوتلر)).
هل سيجد هذا المخلوقان المتشابهان طريقهما إلى بعضهما البعض؟
هذه هي القصة التي ألفتها ((مارغريت)). كل شيء انتهى ما عدا الفصل الأول، الذي لا تجرؤ على كتابته. ولماذا يتحتم عليها كتابته؟ مادام لا أحد سيقرأه. حتى زوجها، لم يحاول ذلك. وليس هناك أي دار نشر لديها الاستعداد لطبعه. وإذا أرادت طبعه، فعليها إعادة كتابته، والتفتيش عن دار نشر مناسبة. مجرد الفكرة تجعلها تحمر خجلاً.
ماذا سيقول العاملون.. والسكرتيرات.. ماذا سيقولون لشخصياتها الخيالية، وأي شعور سيتملكهم إزاءها؟
لا، لا أحد سيقرأ ((ذهب مع الريح)) ... وهذا قرار نهائي.
وتحدث المعجزة فجأة:
يظهر في أتلاتنا صاحب أكبر دار نشر في أمريكا ((هارول س.. لاتام)) باحثاً عن كتّاب ناشئين. ويتعرف بالسيدة ((مارش)) التي تصحبه للقيام ببعض الزيارات وتخبره، بأنها قد ألفت رواية، فيرجوها أن تطلعه على نصوصها. لكنه عندما يرى علبتين كبيرتين تتأبطهما مارغريت، اعتقد بأنه سيغمى عليه، وحمل النصوص معه إلى نيويورك سيرغمه على شراء حقيبة جديدة.
ويبعث النصوص لأحد المسؤولين في الدار، وهو يتخيل نص الرسالة التي ستصل لمارغريت تعلمها بعد الموافقة.
في التالي يظهر المسؤول بعينيه المنتفختين، ليقول إن الرواية ينقصها الفصل الأول: ((إما أكون أنا أهبل، أو أنها آخر صرعة تشهدها هذه الأيام)).
في الليلة التالية يتوصل السيد ((لاتام)) إلى القناعة.. بأنه لا يجوز لمسؤول كبير في الدار أن يكون أهبل.
هكذا أصبحت الرواية، أو بقية الرواية.. من أشهر الكتب في القرن العشرين. لقد بيع منها في الولايات المتحدة 4 ملايين نسخة، في لندن وباريس مليون نسخة، وفي ألمانيا نصف مليون نسخة. ومارغريت تُصبح بين ليلة وضحاها من أشهر النساء، لكنها لا تعترف بذلك.
لا تسمح بالمقابلات والتصوير. لا تبني لنفسها بيتاً أو فيلا. ولا تبتاع سيارة أنيقة. إنها تواصل حياتها السابقة.
وتتحول الرواية إلى فيلم.. وتكتب مقالات عديدة حوله، تكفي لإصدار مجلدات ضخمة. أما مارغريت ميتشل فتلتزم الصمت.
ويقدم العرض الأول للفيلم في مدينة أتلاتنا، وتدور حوله مناقشات طويلة، وكانت الحرب الأهلية قد اندلعت من جديد.. مع الفارق. هذه المرة، الجنوب هو الذي يكسبها. الجميع يتهافتون إلى أتلانتا. أما مارغريت ميتشل فتقرر السفر. ويتحول الفيلم إلى نجاح عالمي ساحق، وشهرة مارغريت تتصاعد يوماً بعد يوم، لكنها لا تعترف بذلك. عام 1929 نقلت إلى المستشفى بعد الحادث الذي وقع لها.
بعد عشر سنوات تصدر روايتها.. وبعدها بسنين قليلة وقبل أن تزحف أمريكا للحرب.. يصور الفيلم.
وكتابها يباع حتى إبان الحرب، في كل البلدان المشاركة في الحرب مع أمريكا. ((مارغريت متيشل)) تنسى.. كما أرادت بالضبط. وكل جهود السيد ((لاتام)) بالعثور على مارغريت تذهب سدى. وكل عروض هوليوود الخيالية لم تؤد إلى النتائج المطلوبة.
الآن في 11-8-1949.. لقد مضى وقت طويل.. حتى أن مارغريت ما عادت تذكر.. حصل الكثير في هذه الفترة. الكثيرون قد مضوا. وما عاد هناك إلا القليل الذين يعلمون بوجود مارغريت..
ففي يوم 11-8-1949.. في الساعة التاسعة تماماً.. وبينما كانت مارغريت مع زوجها في شارع ((بيج تري ستريت)) في طريقهم إلى السينما الواقعة على الرصيف المقابل.. جاءت سيارة أجرة مسرعة من اليمين. السيد ((مارش)) يظل واقفاً أما مارغريت فتتراجع مذعورة.. وتصدمها السيارة وتجرجرها معها ومن ثم تقذفها على بعد 7 أمتار. ويغمى عليها وسط بقعة كبيرة من الدماء. تنقل إلى المستشفى ويشخص الأطباء كسراً في العمود الفقري.. كسر في الحوض.. جروح داخلية، ارتجاج في المخ.
في 16-8-1949 مارغريت تفارق الحياة وهي في التاسعة والأربعين من عمرها، بسبب حادث سيارة.. صممت على تأليف روايتها.. وبسبب حادث سيارة أيضاً.. تفارق الحياة.. ويطويها النسيان مرة أخرى. وتظل رواية ((ذهب مع الريح)) خالدة يقرأها الملايين، كما يُقبل الملايين على الفيلم المأخوذ من الرواية كلما أعيد عرضه، وكأنه يعرض لأول مرة.

ليست هناك تعليقات: